بلا طعم

ليست كل النهايات سعيدة أو حزينة… النهايات قد تأتي بلا طعم… لتجد نفسك وسطها دونما علم… كأن تنام قيلولة الظهر وتصحو ما بعد المغيب لتشعر أنك قد فوت جزءاً من النهار، بلا حزن أو فرح… مجرد فجوة في المعرفة، فأنت لا تعلم إن كان ما فقدته جيداً أو سيئاً… هذه النهايات تأتي عادة بعد سلسة من الأحداث التي ليست لها أهداف، فأنت منغمس في ساعات العمل الطويلة أو في إنتظار المجهول الذي لا تعلم بما سوف يأتي…

لديك أمل غير مبرر أن المجهود لن يضيع أو أن المجهول يعلم من أنت أكثر منك ليأتي لك بما لم تكن تعلم أنك تريده، أو ليأتي مديرك ويرى فيك تطبيق لمشروع ناجح يعود بالربحية عليكما… ولكن الحياة أقسى من ذلك، ولها حس فكاهي اسود قليلاً مما لديك… فالمجهول والمدير لا يباليان، ولا أحد يبالي… أنت مهم لنفسك فقط وأنت فقط من تجعل من نفسك شيئاً…

المشكلة في النهايات التي بلا طعم، أنها تأتي فجأة، كبرد الصحراء… يتسلل إلى عظامك على حين غرة… تأتي لتتركك في سكون وهول اللحظة… “كيف أتيت إلى هنا؟ ما هذا المكان؟ لم لم يخبرني أي من اساتذتي في المدرسة عن هذه المعلومة؟ فهي في ظل كل المعرفة الغير عملية التي سكبوها على عقولنا، كحقول السافانا، والدوائر القطبية، تبدو لي الأهم والأجدر والأكثر صلة بالواقع؟”… ألم أقل لك من قبل؟ لا أحد يبالي…

لم يبالي احد منذ البداية، أنت فقط لم تكن بحاجة لأن تعلم… ولم يكن احد بحاجة لأن يخبرك…

الجيد السيء في هذه الرؤى التي تأتي بلا طعم، أنها تضع الأمور في نصابها، فأنت الآن تعلم، وإلى الآن لم يفت الأوان… لك القرار وعليك النتائج… ولا فائدة بعد اليوم من التشكي، أنت تعلم أنه لن يبالي أحد، ليس قبل أن تبالي بنفسك انت أولاً.

من اتى اولا؟ العقدة ام المنشار.

عندي أمنية: بسيطة… صغيرة… أن تتحجب كل نساء المسلمين! نعم ولم لا؟ أريد أن أعرف مذا سيحدث بعدها؟ هل غياب قطعة القماش هذه هي ما يمنع الشباب عن غض البصر؟ هل غياب قطعة القماش هذه هو المسؤول عن توقيف الجهاد والزكاة وعدم الغيرة على الأراضي والدماء المستلبة لعقود توالت؟ هل هي المسؤولة عن تغلغل الفساد وأكل المال الحرام وتدني مستوى التعليم؟ أريد أن أعلم فحسب، علم اليقين… يا رب.

سوف يأتي بعض الأشخاص ليقول لي “ما لازم نفرط بأي شيء من الدين”، وسوف أجيبه  “نعم، بس المشكلة إنه صارت عنق زجاجة للأمة بدل ما تكون مشكلة يمكن تناولها على التوازي”!.

محطة الوقود، علبة المحارم الورقية والضحك

تعالت ضحكاتي الممتزجة بالدموع، نعم، فالأفضل أن تدمع عيناي بالضحك بدل البكاء. كنت في عمان الأسبوع الفائت، وخلال نزولي هناك ملأت السيارة بما يفوق الثلاثين ديناراً من الوقود لقضاء مشاويري، إلى أن عدت. عدت إلى الرياض،  نعم ذلك المكان الذي أعمل به، حيث لا شيء سوى العمل، وغياب الأهل، وفي هذه الأيام، الغبار أيضاً.

عدت لأملأ خزان الوقود في السيارة التي استأجرتها، فقال لي العامل بعد “تفليلها”، “17 ريال”. 17 ريال تساوي القليل أكثر من ثلاثة دنانير… ولكن ليست هذه المفارقة، فقبل إرجاع الباقي، أعطاني العامل علبة محارم ورقية “فاين”، فظننت أنها بدل الباقي وتجهمت في وجه العامل، وسألت صديقي الجالس بجانبي “ما هذا؟”، فأجابني أنه تقدم كهدية عندما تملئ السيارة بما يفوق الـ 15 ريالاً. للأمانة، لا توزع جميع محطات الوقود هذه الهدية، لكن هذه الهدية بالذات جاءت في في اللحظة المناسبة بعد عودتي من السفر… صفنت قليلاً، وبدأت بالضحك، ثم ما لبث أن أعطاني عامل المحطة الباقي، فتعالى صوت ضحكاتي… لا بد أنه ظن أنني اضحك عليه… ازدراني وغادر بسرعة…

كيف أفسر تلك الضحكات؟ كيف أختزل كل أفكاري؟ تذكرت شقاء الأهل والجيران والأصدقاء في عمان، تذكرت كيف أن بعض من أعرفهم يحسبونها بالورقة والقلم على جدول المصاريف، تذكرت كلفة الدفء في شتاء الأردن وانشغال الناس، تذكرت عدم قدوم بعض الزملاء للعمل في أيام جفت فيها الرواتب، هناك، في عمان… ضحكت، لأني لم أعرف كيف أعبر، الوقود هناك مهم كالهواء، وهنا أرخص من الماء…  دمعت عيناي من الضحك، ألهذا يوزعون تلك العلب أصلاً مع كل ملئ خزان؟

الوقت

إنه هو، ذرات رمال تمر من بين يدينا عنوة.

الوقت، يتسلل كبرد ليلة صحراء، لتجد نفسك فجأة في ورطة وحيرة وحسرة ولوعة. ورطة التراكمات، وحيرة لعدم التنبه، وحسرة على ما ضاع، ولوعة على من غاب.

مرور الوقت يؤلم، سرعته، خفته، زئبقيته وعدم سيطرتنا عليه (على عكس ما نتظاهر)، وحتى طوله،. لذلك ابتكرنا كل هذه الأشياء… لتشغلنا عن الألم…. كما ينشغل الطفل بقطعة حلوى عن ألم إبرة الطبيب…

التسامح

في الوطن العربي، الملحد، اليبراللي والمتدين -أعذروني إن أغفلت عن ذكر فئة لا أعلم تسميتها، فليس في نيتي معرفتها جميعها أو التقيد بمسمياتها- متحيز، شاء أم أنكر. لأنه وفي قرارة نفسه يعتقد أنه الصواب، وأنه ملك الحقيقة التي عمي عنها الأخرون، وأنه متسامح معهم.

التسامح… هذه الكلمة اللطيفة، السلبية، التي تعبر ضمناً عن إعتقاد شخص أو فئة بأنها أفضل من البقية وبأنها تمهل البقية وقتاً للصحو من غفوتهم وهفواتهم الإيدولوجية.

متى سوف نتمكن من التعايش؟ هذه الكلمة تعجبني، هناك… حيث لا شخص ينتظر الآخر ليصحو والجميع يعرف ما له وما عليه، تماما ًمثل الحدود الفاصلة بين الدول الأوروبية، حيث ترى خطاً متواضعاً يفصل بين مقهيين، لن تجد صعوبة في عبوره والعودة من وراءه دون أن يغضب أحد!

دين جديد

بعد ما يقارب الثلاثين سنة من الحياة، إستنتجت أن دين الإسلام عند سواد العرب قد أصبح مفصلاً حسب الطلب، فالحلال لفظة تطلق على ما يقدرون عليه والحرام هو ما لا يستطيعون تحصيله…والعلم جميل، لكنه غير مهم إلى حد كبير ما لم يرتبط بتكنولوجيا توضع في السيارة أو ياتي ليعزز هذا الحديث أو تلك الآية…

الأحكام كلها مدروسة مفصلة لحد التخمة وواضحة في ما يتعلق بالنكاح والتزاوج والحجاب وشرب الخمر والخروج على ولي أمر، ولكنها لسبب ما لا أدري ما هو غامضة ومتداخلة عندما يتطرقون إلى ميراث النساء والكذب وأكل المال والرشوة وظلم الناس والجهاد ضد محتل أو غازي.

هراء

قررت أن أنشئ مركزاً لإعادة تدوير الهراء، ومركزاً آخر لإعادة تأهيل المتفوهين بالهراء وممارسي الهراء بالعلن… نعم إنه لعنة.

بأي ذنب أتحمل الهراء أنا وأنتم كل يوم؟ إنه عبئ على كاهل الدول والأفراد المنتجين. هراء سياسي، وهراء إجتماعي وهراء عاطفي وآخر معنوي. آريد إعادة تدوير كل هذا الكلام الفارغ، تفكيكه ثم الإستفادة من مكوناته… عصر الأجزاء المفيدة منه للوصول إلى الخلاصة وربما حرق ما تبقى في براميل تدفئ المحتاجين.

أما ممارسي الهراء، ممن يتبعهم الغاوون، أريد جمعهم في أماكن مخصصة لهم فقط إن أمكن، فليكثروا بالهراء على بعضهم حتى يشفوا من إدمانهم على لف الكلام، وعلك المعاني وخلق الدراما… فنحن لسنا بحاجتهم… أنا أريد الحياة بلا تكلف، أن توصف الأمور بواقعها… أن يقول الشخص بوعي كامل أنه في مجمل مساعيه يبحث عن، ويعشق الإهتمام… أن يقول مالك الشركة بأنه قد أسرف في الخطأ، فهي شركته أصلاً… أن يقول من نصب بالواسطة أنه لا يملك أدنى فكرة عما يفعل، فقد ينصحه صديق بما هو أفضل… سيريحنا ذلك صدقوني. فنحن نعلم حقيقتكم ولكن ثقافة العيب قتلتنا.

أرجوكم، بالأقل وفروا الكلمات وأحفظوا لها معانيها… إحترموها إن لم تحترمونا… أو أسردوا لبعضكم هراءكم ودعونا بلا ضجيج.

عكس المقام

ذات مساء، هممت إلى العمل على الحاسوب المحمول، ولكني أردت أيضاً أن أجلس مع والدتي وهي تشاهد التلفاز كي أؤنسها قليلاً. فحملت الجهاز عن المكتب وتوجهت به إلى غرفة الجلوس. ومن ثم قلت لها: “أني على وشك وضع سماعات الأذن في أذني وتفعيل الموسيقى على جهازي، ولذا فإنني لن أقدر على سماع ما تقولين”… هزت رأسها بنعم ومن ثم تابعت مشاهدة الأخبار.

أنشغلت قليلاً قبل أن يسترعي إنتباهي تحرك شفاهها، فأزلت السماعات من أذني كي أفهم ما كانت تقول، وإذ بها تخبرني بحديث أجرته مع أحد الأقارب على الهاتف ذلك الصباح…

لا أعلم عدد المرات التي شرحت لها فيها بأنني لم أنتبه لما قالت بسبب تركيزي في أمر آخر أو بسبب السماعات… تأنيت قليلاً ثم نظرت إليها وقلت : “هل إستخدمت يوماً سماعات الأذن للإستماع إلى الموسيقى؟” فأجابت بالنفي. فقلت أنا: “فعلاً؟! إذاً سوف أسمعكي أغنية على ربع قدرة الصوت الصادر من السماعات كي تجربي الشعور”. وبعد أن إستمعت إلى قليل من الأغنية، قامت بإزالة السماعات بنفور وهي تقول: “ما هذا؟ إن الشخص ينفصل عن العالم من حوله والأصوات تعلو في منتصف رأسه”. فتبسمت لتصرفها وهممت لأصنع لها كوباً من الشاي أكفر به عن ذنوبي…

هي ليست بقصة مفعمة بالمعاني والعبر، إلا أنها أثرت في نفسي فكراً مختلفاً… لن يفهم أحد منا الآخر إلا من خلال محاولة عكس المقامات والخروج عن محددات الذات والأهم، التوقف عن تكرار الذات إن لم تجدي نفس الأفعال في تحقيق المراد.

الحياة قد تصبح رائعة اذا تركك الناس وشأنك

صدقت يا شارلي شابلن.

العائلة، الأصدقاء، المعارف، الزملاء، العوام- الهوام في المقاهي والشوارع، لكل فكرته عنك التي يجب أن تقوم حياتك عليها. أقول لكم بأنني أنا والآخرين مثلي وضدي وحتى أنتم، أننا لسنا بمحصلة أفكاركم حول ما هو الأفضل لنا، فلدى كل واحد منا أفكاره وحياة واحدة قصيرة لكي يحياها، حياة أقصر من أن يمضيها أيٌ منا سيراً على طريق رسمتموه أنتم، حياة أوسع وأجمل وأعمق من لون واحد، ونحن كلنا ألحان وألوان مختلفة من نفس الآلة.

كلما تعرفت على شاب أو شابة، وجدت أن حلمه هو الإبتعاد عن عالمنا العربي، طلباً للهواء والتفرد والقبول. القبول، هذا المصطلح اللعين، من أدخله إلى القاموس؟ من حشره في مؤخرة رؤوسنا؟ لا لون ولا طعم ولا رائحة له، لكن نحس به كما الهواء. كلنا يسعى للقبول من قبل الآخرين، والمشكلة تأتي من الأقنعة، فهؤلاء في عالمنا لن يقبولك كما أنت… عليك أن ترتدي القناع.

قناع يخفي القدرات والإختلافات والجمال الفريد لكل واحد منا… هو جميل عندما يخدروك بقبولهم المزيف، لكن الروح مهما غفت أو غيبت لا بد أن تعود.

والحل؟ نهاجر؟ نرحل؟ أين الهروب من القناع، نترك بلاداً لا يعيبها إلا جهل أقوامها ولا يذلها إلا لونها الواحد ولحنها الواحد…

لن أرحل، ولن أرتدي القناع، أنا هنا لأرسم وأعزف لحناً مختلفاً…أنا هنا لأعيد تعريف معنى القبول في قاموسنا… أنا هنا لأخلق حياة رائعة…

ذكر المعلوم أم إقلال في ذكر المعلوم؟

حضرني اليوم نقاش مع صديق لي حول كتاب كنت قد إشتريته يتحدث عن إدارة الوقت، كنت أحدثه عن وجهة نظر أعجبتني في الكتاب وكانت وجهة نظر صديقي أن هذا الموضوع يقع تحت عنوان ذكر المعلوم، وبأن الشخص الذكي قادر على التوصل إلى الفعل الصحيح من غير قراءة تلك الكتب. اليوم أمعنت النظر في ذلك النقاش، فما أكثر الأمثلة التي نراها كل يوم عن أنفسنا وعن أشخاص نعرفهم يقعون في شتى أنواع المطبات بسبب عدم إتباع أبسط التعليمات أو مبادئ الحياة والتعايش التي تعلمناها. ألا تقع تلك المطبات تحت عنوان عدم إدراك المعلوم أو نسيان المعلوم أو التغافل عن المعلوم؟

ليس الجميع بنفس مستوى الذكاء يا صديقي، والأهم من هذا أن الجميع ليسوا بنفس مستوى الإدراك. فمهمة كل مرشد أو مدير أو شخص ذو رسالة أو فكرة أن يجد طريقة لإيصال الفكرة بفهمها الصحيح إلى الشخص المقابل، وهذا بحد ذاته الفاصل بين نجاح المُرسِل أو فشله في إيصال رسالته.

كل ما أردت لفت النظر إليه أنه هنالك دائما مجال للتعلم ولإعادة التنويه أو التذكير، فهنالك دائماً من نسي أو لم يدرك.